الثلاثاء 15 أبريل 2025 06:40 صـ 16 شوال 1446 هـ
بوابة بالعربي
رئيس التحرير محمد رجب سلامة
×

معركة التجارة تعود.. “يوم التحرير” يشعل غضب التنين الصيني

الأحد 13 أبريل 2025 01:15 مـ 14 شوال 1446 هـ
الصين وأمريكا
الصين وأمريكا

وضعت الصين مسؤولي الحكومة المدنية في بكين في "حالة تأهب حرب" وأطلقت حملة دبلوماسية تهدف إلى تشجيع الدول الأخرى على التصدي للرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفقًا لأربعة مصادر مطلعة على الأمر.

وقال أحد الأشخاص إن مسؤولي الدعاية في الحزب الشيوعي لعبوا دورًا رائدًا في صياغة رد الصين، حيث نشر المتحدثون باسم الحكومة مقاطع مصورة متحدّية على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر فيها الزعيم الراحل ماو تسي تونغ وهو يقول: "لن نرضخ أبدًا".

وكجزء من هذا الوضع "الاستثنائي"، الذي تنفرد "رويترز" بنشر تفاصيله للمرة الأولى، تم إصدار أوامر لموظفي وزارتي الخارجية والتجارة بإلغاء خطط الإجازات وإبقاء هواتفهم المحمولة قيد التشغيل على مدار الساعة، حسب ما أفاد به مصدران. كما تم تعزيز الإدارات المعنية بالشؤون الأميركية، بما في ذلك عبر ضم مسؤولين سبق لهم التعامل مع رد الصين على إدارة ترامب الأولى.

هذا النهج الحكومي الصدامي الشامل، بعد هجوم ترامب المعروف بـ"يوم التحرير"، مثّل تحولًا كبيرًا في موقف بكين، التي كانت تحاول تجنب تصعيد الحرب التجارية. فعلى مدى شهور، حاول الدبلوماسيون الصينيون إقامة قناة اتصال رفيعة المستوى مع إدارة ترامب للدفاع عما وصفه مجلس الوزراء الصيني في حملات إعلام الدولة بـ"علاقة تجارية رابحة للطرفين".

كان بعض المراقبين الصينيين المتفائلين يأملون في التوصل إلى صفقة كبرى مع ترامب تشمل التجارة وتطبيق تيك توك – وربما حتى مسألة تايوان.

تعتمد هذه الرواية، التي توضح كيف انتقلت الصين من السعي لاتفاق إلى الرد بعنف من خلال فرض رسوم انتقامية والتهديد بتحدٍ شامل، على مقابلات مع أكثر من 12 شخصًا، من بينهم مسؤولون حكوميون أمريكيون وصينيون، بالإضافة إلى دبلوماسيين وعلماء مطلعين على التبادلات الثنائية.

وذكر أربعة منهم أن الدبلوماسيين الصينيين بدأوا بالتواصل مع حكومات أخرى مستهدفة برسوم ترامب الجمركية، وأرسلوا رسائل إلى عدة دول لحثها على التعاون. كما تم التواصل مع حلفاء أمريكيين تقليديين في أوروبا، اليابان وكوريا الجنوبية، بحسب شخصين.

تحدث معظم هؤلاء الأشخاص بشرط عدم الكشف عن هويتهم لوصف مناقشات حكومية سرية.

ولم ترد وزارة الخارجية الصينية على طلب للتعليق. في حين قال متحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن ردًا على أسئلة "رويترز" إن بكين لا ترغب في خوض حروب تجارية "لكنها لا تخشاها".

وأضاف: "إذا وضعت الولايات المتحدة مصالحها الخاصة فوق الصالح العام للمجتمع الدولي، وضحّت بالمصالح المشروعة لجميع الدول من أجل هيمنتها، فإنها ستواجه معارضة أقوى من المجتمع الدولي".

كما لم ترد سفارتا كوريا الجنوبية واليابان في واشنطن فورًا على طلب للتعليق بشأن المحادثات بين بلديهما والصين.

بعد الرد الصيني الأول، قال ترامب: "لقد لعبت الصين لعبتها بشكل خاطئ، لقد ذعرت – وهذا هو الشيء الوحيد الذي لا يمكنها تحمّله!" وأضاف أن بكين تريد عقد صفقة "لكنها لا تعرف كيف تبدأ بذلك".

كما ألقى المسؤولون الأمريكيون باللوم على الصين في الجمود، قائلين إن فائضها التجاري التريليوني مع العالم هو نتيجة لانتهاكات النظام التجاري العالمي، وهي انتهاكات لم يتم التصدي لها بنجاح خلال سنوات من المفاوضات.

وفي الثاني من أبريل، صدم ترامب العالم بفرض رسوم جمركية ضخمة قال إنها ستمنع دولًا مثل الصين من "سرقة" الولايات المتحدة.

وردّ الرئيس الصيني شي جين بينغ برسالة وطنية يشكك فيها في قدرة الناخبين الأميركيين على تحمل المعاناة بنفس قدر الصينيين.

وقد تم تعليق رسوم "يوم التحرير" لجميع الدول ما عدا الصين لمدة 90 يومًا. وباستثناء بعض الحالات، فإن تجارة السلع بين الصين والولايات المتحدة مجمّدة إلى حد كبير، وبدأت بكين في تضييق الخناق على تجارة الخدمات، كما حذرت مواطنيها من السفر إلى أمريكا وفرضت قيودًا على استيراد الأفلام الأميركية.

بداية مهذبة وتدهور سريع

رغم أن ترامب انتُخب بناءً على وعود بفرض رسوم جمركية عالية، إلا أن العلاقات مع بكين بدأت بشكل مهذب.

حيث دعا ترامب شي لحضور حفل تنصيبه، والذي حضره في النهاية نائب الرئيس الصيني هان تشنغ.

لكن الأوضاع بدأت بالتدهور بعد ذلك.

خلال إدارة ترامب الأولى، كانت هناك قنوات اتصال رفيعة المستوى، أبرزها بين السفير السابق كوي تيانكاي وصهر ترامب، جاريد كوشنر.

ولا يوجد الآن قناة مماثلة، وفقًا لمسؤول في بكين مطلع على العلاقات الصينية-الأميركية، مضيفًا أن الصين لم تعد متأكدة من يمثل ترامب في العلاقة.

وقال مسؤول في إدارة ترامب ردًا على أسئلة "رويترز" إن الولايات المتحدة أوضحت للصين أنها تريد استمرار الاتصال على مستوى الخبراء "لكننا لن ننخرط من أجل التواصل فقط، ولا في حوارات لا تعزز المصالح الأميركية".

حاول السفير الصيني لدى الولايات المتحدة، شيه فنغ، الوصول إلى حليف ترامب الملياردير إيلون ماسك قبل الانتخابات، وفقًا لأكاديمي أميركي زار الصين مؤخرًا للمشاركة في تبادلات غير رسمية استخدمتها بكين تاريخيًا للتواصل مع صانعي السياسات في واشنطن.

ولم يرد ماسك فورًا على طلب للتعليق.

كما حاول وزير الخارجية الصيني وانغ يي لقاء وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، المعروف بمواقفه المتشددة تجاه الصين، أثناء زيارة إلى نيويورك في فبراير، لكنه لم ينجح في تأمين الاجتماع.

ولم يحدث أي تواصل علني بين كبار الدبلوماسيين من الجانبين سوى مكالمة هاتفية فاترة في يناير.

وحاول وانغ أيضًا لقاء مستشار الأمن القومي مايك والتز، لكن دون جدوى، بحسب مصدر مطلع على المسألة.

وكان وانغ قد أجرى محادثات عديدة مع سلف والتز، جيك سوليفان، منها حوار أدى إلى صفقة تبادل أسرى نادرة.

وترى إدارة البيت الأبيض أن على الصين إرسال مسؤول تجاري كبير بدلًا من وانغ للحديث عن قضايا التجارة، بحسب مصدر مطلع.

وقال وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك إنه "لا يتواصل مع الصين" وإن ترامب يريد التفاوض مباشرة مع شي.

وقال ترامب للصحفيين هذا الأسبوع إنه مستعد للقاء شي، الذي وصفه أيضًا بأنه صديق، لكنه لم يوضح تفاصيل الصفقة المحتملة.

وقال مسؤول في إدارة ترامب إن الولايات المتحدة سألت مرارًا دبلوماسيي الصين عما إذا كان شي يطلب مكالمة هاتفية مع ترامب، "وكان الرد دائمًا هو: لا".

وقال خبير العلاقات الدولية تشاو مينغهاو من جامعة فودان في شنغهاي إن مثل هذه المحاولات "لا تنجح إطلاقًا في سياق صنع القرار الصيني".

وأضاف: "بالنسبة للصين، عادةً ما يتم الاتفاق على العمل على مستوى الخبراء أولًا، ثم يمكن ترتيب القمة".

وتابع لين سونغ، كبير الاقتصاديين في بنك ING لمنطقة الصين الكبرى، أن "الطريقة التي تم التعامل بها مع الدول التي حاولت التفاوض هذا العام لم تشجع الصين على الجلوس إلى الطاولة".

ولا تزال هناك محادثات جارية بين مسؤولين من المستوى الأدنى من كلا الجانبين، وفقًا لمسؤول صيني وثلاثة أميركيين، على الرغم من أن بعض مجموعات العمل التي وضعتها إدارة بايدن السابقة لمعالجة النزاعات التجارية قد تم تجميدها.

دروس مستفادة

في حين أن العديد من الدول تعرضت للرسوم الأميركية لأول مرة هذا الشهر، فقد طورت الصين ردود أفعالها خلال جولات سابقة من الحرب التجارية مع واشنطن.

واستنادًا إلى تجربة إدارة ترامب الأولى، أنشأت الصين كتابًا إرشاديًا للرد يتضمن فرض رسوم، وقيودًا على نحو 60 شركة أميريكية، إضافة إلى تقييد صادرات المعادن الأرضية النادرة.

جاء هذا الجهد بعد أسابيع من التحضيرات من جانب مسؤولين صينيين كُلّفوا بدراسة سياسات ترامب واقتراح إجراءات مضادة يمكن تصعيدها تدريجيًا.

واختار شي الرد بقوة، معلنًا عن رسوم شاملة قبل دخول رسوم ترامب حيز التنفيذ. وأُعلنت هذه الرسوم قبل افتتاح بورصة وول ستريت يوم 4 أبريل، وهو يوم عطلة رسمية في الصين. وتراجعت الأسهم الأميركية بشكل حاد.

وقال أحد المسؤولين الصينيين إن الرد السريع غير المعتاد كان أشبه باتخاذ قرارات زمن جائحة كوفيد، دون المرور بالإجراءات الاعتيادية المعقدة للموافقة.

وطرح بعض الشخصيات المؤثرة الصينية مقترحات لتخفيف التصعيد.

وكتب المدون السياسي "رن يي"، الذي لديه قرابة 2 مليون متابع على منصة "ويبو"، في 8 أبريل، أن الإجراءات المضادة "لا تتطلب زيادة شاملة في الرسوم على السلع الأميركية".

واقترح خطوات محددة مثل تعليق التعاون في مكافحة الفنتانيل، وفرض مزيد من القيود على الواردات الزراعية والأفلام.

وقالت وزارة المالية الصينية الجمعة إن الرسوم على السلع الأميركية وصلت إلى 125%، وإنها لن تواصل مطابقة أي زيادات مستقبلية من واشنطن، ووصفت استراتيجية ترامب الجمركية بأنها "نكتة".

"لن نرضخ أبدًا"

استدعت وزارة الخارجية الصينية العديد من رؤساء بعثاتها الدبلوماسية في الخارج إلى بكين هذا الأسبوع لعقد اجتماع خاص لتنسيق الرد، بحسب دبلوماسيين مقيمين في بكين.

كما أرسلت الصين رسائل رسمية إلى مسؤولين حكوميين في دول أخرى ضغط عليها ترامب للدخول في مفاوضات تجارية.

وقد وصفت أربعة مصادر مطلعة على محتوى الرسائل بأنها تتضمن الموقف الصيني، والدعوة إلى التعددية، وضرورة وقوف الدول معًا، مع انتقادات للسياسة الأميركية تتوافق مع تصريحات الصين العلنية.

كما تواصلت بكين مع بعض حكومات مجموعة العشرين مقترحة صياغة بيان مشترك لدعم النظام التجاري المتعدد الأطراف، بحسب دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي.

لكن الدبلوماسي قال إن هذه الرسائل لم تعالج المخاوف التي تشاركها دول غير أميركية، مثل مشكلة فائض الإنتاج الصيني، ونظام الدعم الحكومي، والمنافسة غير العادلة.

وقد ردت بكين بأن هذه المخاوف مبالغ فيها، وأن صعود صناعاتها التقنية نابع من مزاياها التنافسية ويعود بالنفع على العالم.

تركز الصين أيضًا بشكل كبير على رد الفعل المحلي تجاه الرسوم، حيث أعاد مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع نشر افتتاحية من صحيفة "الشعب" الرسمية بتاريخ 7 أبريل تحذر من الذعر.

كما بدأت بكين مؤخرًا في تشجيع الأسر على زيادة الإنفاق، وغيّرت لغتها بشكل كبير بشأن الاستهلاك المحلي، في مسعى لتحويل محرك النمو من التصدير إلى المستهلكين، في وقت ما زال فيه الاقتصاد يعاني من أزمة انهيار قطاع العقارات.

وقال تشاو من جامعة فودان: "المعركة الحقيقية تقع على الجبهة الداخلية، وليس في المفاوضات الثنائية".

ونشر مسؤولون صينيون على منصة "إكس" (تويتر سابقًا) مقطعًا يظهر فيه الزعيم ماو يلقي خطابًا عام 1953 – وهي آخر مرة دخلت فيها الصين في صراع عسكري مباشر مع الولايات المتحدة خلال الحرب الكورية.

وفي المقطع، يقول ماو، الذي فقد ابنه الأكبر في تلك الحرب: "السلام قرار الأمريكيين. لا يهم كم سيطول هذا الحرب، لن نرضخ أبدًا. سنقاتل حتى ننتصر بالكامل".

موضوعات متعلقة