ماذا تعلمنا من سلامة موسى عن أهمية التواصل البشري في عصر الذكاء الاصطناعي؟

بينما كنت أقرأ مقدمة كتاب "الأدب الإنجليزي الحديث" الذي نشره سلامة موسى عام 1936م، فكتب يقول: ".....إن الأدب الإنجليزي يتصل بالحياة ويتأثر بها، ويؤثر فيها، وهو ينتقد أسلوب العيش أكثر مما ينتقد أسلوب الكتابة.. وهذا خلاف ما نجد من طبقة الأدباء التقليديين في مصر، حيث الاهتمام كبير بالأسلوب الكتابي، في حين ليس هناك اهتمام أصلًا بأسلوب العيش؛ فإن الأدب التقليدي يُعنى مثلًا بأسلوب الجاحظ الكتابي فيحتذيه، ولا يُعنى مثلًا بأسلوب الفلاح المصري في العيش فينتقده ويطلب إصلاحه..... ولذلك فإن أدبه سلفي، هو أدب الكتب الذي يجعله يعيش وهو في عزلة عن الوسط الذي يحيط به كأنه في برج عاجي.. وهو هنا يشبه أدباء القرون الوسطى في أوروبا والعالم العربي".
هنا توقفت أمام فكرة محورية ألهمتني بشدة: أن الأدب لا يكون حقيقيًا بمجرد تقليد أساليب الكُتاب القدامى، بل حين يكون لصيقًا بالحياة اليومية، ناقدًا لأسلوب العيش، ساعيًا لإصلاح المجتمع.
سلامة موسى انتقد الأدباء التقليديين الذين عاشوا معزولين عن واقعهم، منشغلين بتقليد أساليب الكتابة بدلاً من الانخراط في معالجة مشاكل مجتمعهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وهذه الفكرة العميقة جعلتني أفكر في واقعنا اليوم، خاصة مع الطفرة الكبيرة في الذكاء الاصطناعي.
في عالم أصبحت فيه الآلة تكتب وتلخص وتحلل، بات الخبراء ينادون بأهمية شيء واحد لا تستطيع الآلة تقليده: التواصل الإنساني الحقيقي.
التواصل البشري لا يتمثل فقط بالكلمات، بل بالمشاعر، بالتعاطف، بقراءة تعبيرات الوجوه، وبناء جسور الثقة.
وفي عصر التكنولوجيا المتسارعة، أصبحت الحاجة إلى حضورنا الإنساني أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
لهذا السبب، قررت أن أخرج أكثر إلى الحياة، أشارك الناس مناسباتهم، وأتفاعل معهم وجهاً لوجه. تمامًا كما دعا سلامة موسى أن يكون الأدب نابضًا بالحياة لا محبوسًا بين جدران الكتب.
في عصر الذكاء الاصطناعي، يظل التواصل الإنساني هو الذكاء الحقيقي الذي يصنع الفرق.
من هو سلامة موسى؟
سلامة موسى (1887م – 4 أغسطس 1958م) هو مفكر وكاتب مصري من رواد التنوير والثقافة الحديثة في العالم العربي. اشتهر بدعوته إلى الحرية الفكرية، والإصلاح الاجتماعي، وارتباط الأدب بالحياة اليومية. يعتبر من أوائل من أدخلوا الأفكار الأوروبية الحديثة إلى الثقافة العربية، مؤمنًا أن الأدب الحقيقي يجب أن يكون مرآةً للواقع لا مجرد محاكاة للماضي.