في حوار خاص| الكاتبة الإماراتية شيماء المرزوقي: أدب الأطفال شكّل هويتي.. واللغة العربية بحاجة لقرّائها

في عالم يتسارع فيه إيقاع الحياة، تبرز الكاتبة الإماراتية شيماء المرزوقي كصوت أدبي متميز يسعى لتشكيل وعي الأجيال الجديدة عبر أدب الطفل واليافعين، وتوسيع آفاقهم من خلال أدب الخيال العلمي. من خلال تجربة إنسانية غنية بالأدوار المختلفة—كأم وكاتبة وناقدة وأخصائية اجتماعية—استطاعت أن تضع بصمة خاصة في المشهد الثقافي الإماراتي والعربي. في هذا الحوار الحصري مع بوابة بالعربي – طريق الحقيقة، تحدثنا شيماء عن رحلتها مع الكتابة، تحدياتها، ومشاريعها المستقبلية، ورؤيتها لمستقبل الأدب العربي
كيف بدأت رحلتك مع الكتابة، وما العوامل التي أثرت في توجهك نحو أدب الأطفال واليافعين؟
بدأت الكتابة، في وقت مبكر من عمري، ووجدت التشجيع والدعم من الأسرة وأيضاً من معلماتي. لكن في بداية المرحلة الجامعية، أخذت رغبة الكتابة والتأليف، تصبح أكثر جدية، فطوّرت نفسي بالقراءة،
والحقيقة أن القراءة، ليست الطريق الوحيد الذي قد يقود نحو الكتابة والتأليف، بل هناك أيضاً التجربة، من خلال الكاتبة نفسها، والركض في هذا المضمار لكسب الخبرات والتجارب المتنوعة.
وأجد أن تخصصي في مجال التربية، تحديداً مرحلة الطفولة المبكرة ورياض الأطفال والمرحلة الابتدائية، كان له أثر في توجهي نحو التأليف في مجال أدب الطفل واليافعين، والكتابة للطفل، قادتني نحو ميدان الأدب الواسع، وأعتبر أن الكتابة للطفل، صقلتني، وعلمتني، وأعتقد أنها مهدت الطريق لأكتب في مجالات وأجناس أدبية أخرى.
- ما أبرز التحديات التي تواجهينها عند كتابة قصص موجهة للأطفال، وكيف تتغلبين عليها؟
الكتابة للطفل، تحدي حقيقي لكل مؤلف، ففضلاً عن أهمية الفكرة وحبكت القصة، فإن هناك تحدي آخر يتعلق بلغة المنجز الذي ستقدمه للطفل، فأنت بحاجة بأن تفهم كيف تعمل آلية عقل الطفل، ولكي تدرك ذلك عليك، أن تخوض هذا المجال، وتفهم النظريات التربوية والعلمية، وتطبقها على أرض الواقع. قصص الأطفال، بحاجة أيضاً إلى خيال كبير، فمثلاً عليك أن تتخيل بأنك طفل يخوض مغامرة ما، وبناءً عليه تعبر عن مشاعر هذا الطفل، وكيف تتغير مشاعره بعد خوض التجربة، فالأطفال الصغار، بطبيعتهم ينجذبون إلى القصص التي تتطرق للمشاعر والأحاسيس.
أيضا تكمن صعوبة الكتابة للطفل، في دقة المعلومات، وطريقة عرضها لمحاولة أن يفهمها عقل الطفل، أيضاً خيالك يجب أن يكون مؤطر وذا حدود، فأنت تخاطب ذهنية صغيرة، بمعنى ليس لنا الحرية عند الكتابة للطفل كما في أعمال أدبية أخرى. يسألني البعض فيقولون نريد أن نكتب للطفل، فتكون كلماتي لهم بأن يتركوا العنان للطفل الذي بداخلهم.
- قدمت روايات في مجال الخيال العلمي مثل "ريانة" و"إنسال".. كيف ترين واقع أدب الخيال العلمي في العالم العربي، وما الذي دفعك للاستثمار في هذا النوع الأدبي؟
عالمنا العربي برمته، حديث عهد في هذا المجال، مع أن هناك أقلام حاولت الكتابة والتأليف في هذا المجال، ولكنها في العموم شحيحة.
أدب الخيال العلمي، بالنسبة لي عالم مفتوح من الأفكار دون حدود، بمعنى يمكنك أن تتخيل وتكتب كل ما يدور في ذهنك من أفكار، أيضاً أدب الخيال العلمي يبعدك عن حساسيات الحاضر وقيود المجتمعات ونحوها من الضوابط.
- مع انتشار التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والكتب الإلكترونية كيف ترين تأثير ذلك على عادة القراءة لدى الأطفال واليافعين؟
التقنيات الحديثة لها أثر واضح، لكن لو استغلت وسخرت لخدمة الكتاب فإنه سيجد الرواج، نجد ملامح هذا الاستغلال فيما يسمى بالكتاب الالكتروني، والذي ما زال في عالمنا العربي متعثر، وتتم بجهود ذاتية بعيدة عن المؤسساتية.
أما ثانياً، والمتعلق بكيف نحمي أطفالنا من تحديات العالم الرقمي، ونشجعهم على القراءة، أريد التأكيد بأن الأطفال واليافعين، سهلٌ توجيههم، بل يقتنعون بتوجيهات الأبوين، وعليهما الأم والأب، مسؤولية، جسيمة وكبيرة في غرس قيمة الكتاب، وتعويدهم منذ نعومة أظافره على القراءة وأن تصبح جزءاً من يومهم، عندما يهمل الطفل وينمو ويكبر، تزداد الصعوبة، ونعاني عند محاولة إقناعه بالقراءة، لأنه لم يتعود عليها، ولأنه حصل على بدائل ، تجعله بعيد عن مضمار القراءة.. هذا الجانب يبدأ من داخل المنزل من الأم والأب.
- أصدرت كتاب "التحديات التي تواجه اللغة العربية في عصرنا"... برأيك، ما أبرز هذه التحديات، وكيف يمكن مواجهتها؟
دون شك أن اللغة العربية، تواجه ضغوط ولكنها لا تواجه تهديدات بالانقراض كما يزعم البعض، فهي بالنسبة لنا لغة خالدة، لكن دون شك هناك تحديات تواجهها فهذا الزخم المعلوماتي اليومي الذي ينشر ويصلنا يأتي بلغات غير العربية، وما يتم ترجمته ونقله للعربية قليل جدا لذا بات من المعقول لدى الكثير من الدارسين أن يحاول إتقان لغة أخرى تساعده وتسهل أموره مثل الانجليزية، وفي الحقيقة التحديات التي تواجهها العربية تتعلق ببيئات العمل والأعمال حيث يتم أقصاها من التعاملات اليومية في مثل هذه المواقع. والسبب ليس ممنهج بمعنى متعمد إطلاقاً وإنما يتعلق أولاً بالأفراد أنفسهم وطبيعة ثقافتهم فهم في المجمل غير عرب واللغة التي تجمعنا بهم هي الانجليزية، ولعلنا نلاحظ مثل هذا في المطارات ومواقع الترفيه وبعض الأسواق فجميع من يعمل في مثل هذه المواقع تجدهم يتحدثون لغة واحدة وهي الانجليزية.. وأعتقد أن الحل لمعالجة مثل هذا الخلل لا يتعلق بدعم اللغة العربية وحسب إنما له جوانب أخرى مثل التوطين وتفعيل البرامج في هذا الإطار، كذلك خطوات مثل إلزام المحال بأن تكون فواتيرها باللغة العربية على سبيل المثال وبالمناسبة هذه الخطوة بدأ تطبيقها والمطلوب تعميمها.
- كونك أما لأصغر مؤلفة إماراتية، كيف ترين دور الأسرة في تنمية حب القراءة والكتابة لدى الأطفال؟
سعيدة وفخورة، لكون ابنتي حفصة، نالت التكريم من سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله، في عام 2016 في أوائل الإمارات، كونها أصغر مؤلفة، في ذلك الحين، ودون شك أن الطفولة والبراءة دوماً تعطي المؤلف أعظم حافز، والاحتفاء بإنجازاتهم يعزز ارتباط الطفل بالقراءة والكتابة منذ الصغر.
- حصلت على جوائز عدة مثل جائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع.. كيف أثرت هذه الجوائز على مسيرتك الأدبية؟
مع أنني سعيدة، بالمنتج الروائي الإماراتي، إلا أن سقف الطموح عالي وكبير، ليس لدي، بل لدى كل متخصص ومهتم بالشأن الأدبي، فضلاً عن المؤلفين، لأن الدعم والرعاية، ماثلة وواضحة، ولأن جميع الظروف مهيأة للمزيد من الإنتاج والإبداع، وأنا متفائلة، وعلى يقين بأننا سنرى في القريب، المزيد من الإبداع والتميز، سواء في مجال الرواية أو في مجالات وأجناس الأدب المختلفة.
- ما المشاريع الأدبية القادمة التي تعملين عليها حاليا؟
بما أن المؤلف أو الكاتب يواصل الكتابة فإنه مستمر في إصدار ونشر الجديد، فعلى الصعيد التأليف والكتابة الإبداعية فأنا بصدد إصدار قصة علمية للأطفال.
أما على صعيد الكتابة المقالية فأنا أسعى للتنويع ولتطوير أسلوبي في هذا المضمار الحيوي حتى تصل مقالاتي لأكبر عدد من الناس والقراء. وفي هذا السياق، لا ألزم نفسي بإطار زمني مثلما يفعل البعض وأنه لا بد أن يكون لي كل بضعة أشهر عمل يتم نشره، بل الإطار لدي يتعلق بجودة العمل الأدبي نفسه، فمتى جهز واكتمل، أدفع به للنشر، قد تأخذ هذه العملية عام أو عامين أو أكثر ليست مشكلة أبداً، المهم أن يكون وفق تطلع القارئ وينال إعجابه، كذلك أقوم حالياً بكتابة مجموعة قصصية جديدة، فضلاً عن مشاريع أخرى تتعلق بالطفل أضع اللمسات الأخيرة عليها.
- ما النصائح التي تقدمينها للشباب الراغبين في دخول مجال الكتابة، خاصة في أدب الأطفال؟
الرسالة للفتيات والشباب، الذين هم في مقتبل العمر، أحثهم على القراءة والتزود بالمعلومات من مصادرها، والتركيز على المعلومات الأكثر حاجة لهم والتي تسهل عليهم مستقبلهم، أما من يريد التوجه لعالم الكتابة والتأليف، فنصيحتي لهم الكتابة بعفوية، وفي اللحظة نفسها السعي الدائم للتطوير، والأهم عدم الإحباط أو الكسل، لأن مضمار الكتابة شاق وطويل.
الالتزام والاستمرار ومحاولة الابتكار والابداع بشكل دائم، أعتقد أنها مفاتيح حيوية لأي مؤلف ينشد التقدم إلى الأمام، أقصد بالالتزام الجانب المهني في الكتابة، أما الاستمرار فأعني به عدم التوقف والاستسلام لأي ظرف أو صعوبات تمر بالمؤلف، وتبقى عمليات الابتكار والإبداع، جزء حيوي وهام من عمل المؤلف والكاتب، إن لم يكن هاجسه أن يبدع ويتفرد ويبتكر، فسيكون نسخة أخرى من الكثير من الأصوات المتواجدة على الساحة الأدبية.
- كيف توفقين بين دورك ككاتبة، وأم وناقدة، وأخصائية اجتماعية؟
في الحقيقة، لا أعتبر هذه الأدوار متضاربة، بل أراها تكمل بعضها البعض. دوري كأم منحني حسًّا إنسانيًّا عميقًا، وهذه التجربة اليومية مع بناتي صقلت كتابتي، وأضافت لها الدفء والصدق. أما ككاتبة، فهي المساحة التي أُعبّر فيها عن كل ما أشعر به، وأحمله من رؤى وتجارب، وأُترجم عبرها خبرتي كأخصائية نفسية واجتماعية إلى كلمات قد تلامس قلب القارئ وتمنحه أملاً أو فهماً أعمق لحياته.
الكتابة بالنسبة لي ليست انفصالاً عن دوري كأم أو كمتخصصة، بل هي امتداد لهما. أحياناً أكتب وأنا أُراقب نمو أطفالي، وأحياناً أخرى تُلهمني استشارة اجتماعية أو قصة إنسانية إلى طرح فكرة جديدة في كتاب أو مقال. التوازن لا يأتي من تقسيم الوقت فقط، بل من الإيمان بأن كل دور أؤديه يُغني الآخر، ويمنحه معنى أكبر.
- تديرين مؤسسة التفرد للنشر، ما الذي يميزها عن دور النشر الأخرى؟ وما هي رؤيتك لدور النشر العربية في دعم الأدب والكتّاب الشباب؟
كوني مؤلفة، فإنني أعلم تماماً ما الذي يحتاجه المؤلف، ومن هناك انطلقت لا أريد أن تكون "التفرد" ناشرة وحسب، بل أعمق وأبعد من هذا. وأجد أن دور النشر العربية تقوم بدور مهم وحيوي في مسيرة الرفع من قيمة الأدب العربي، ودعم المؤلفين. واسأل الله لهم المزيد من النجاحات في هذا المضمر الهام.