بوابة بالعربي

غزوة بدر: أولى انتصارات المسلمين في شهر رمضان المبارك.. ونقطة تحول في تاريخ الإسلام

الإثنين 17 مارس 2025 12:29 مـ 17 رمضان 1446 هـ
أرشيفية
أرشيفية

يحتفل العالم الإسلامى اليوم الاثنين الموافق 17 رمضان 1446هجريا، 17 مارس 2025، بذكرى غزوة بدر، التى انتصر فيها المسلمون بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم على قريش.

كان انتصار المسلمين في غزوة بدر الكبرى بمثابة البداية لسلسلة من الانتصارات التي حققوها في شهر رمضان، وهو شهر الفتوحات والخيرات والتمكين. فالقيم الإيمانية والمعاني السامية التي يتسم بها رمضان تُكسب المسلمين صبراً لا ينضب، وعزيمة لا تضعف، وشجاعة بلا حدود. وعندما يتم ذكر الأحداث البارزة في تاريخ المسلمين التي وقعت في رمضان، فإن أول ما يخطر في ذهن كل مسلم هو غزوة بدر الكبرى، حيث قاد رسول الله (ﷺ) المسلمين لتحقيق النصر على جحافل الكفر وزعماء الباطل من قريش.

وقعت غزوة بدر في صباح يوم الاثنين 17 رمضان من العام 2هـ، في منطقة بدر التي كانت تُعد محطة لمرور القوافل المتجهة إلى الشام والعائدة إلى مكة المكرمة. كما اشتهرت بدر بأنها واحدة من أبرز أسواق العرب، وقد ساعدها في ذلك موقعها الجغرافي المميز بين مكة والمدينة في أسفل وادي الصفراء.
وصل إلى المسلمين خبر تحرك قافلة كبيرة لقريش تحمل أموالًا ضخمة، عائدة من الشام تحت قيادة أبي سفيان صخر بن حرب. فدعا النبي ﷺ أصحابه إلى الخروج لاعتراض القافلة، وأسرع بمن كان مستعدًا للخروج دون انتظار سكان العوالي، خشية أن تفوتهم القافلة. لهذا السبب، لم يخرج المسلمون إلى معركة بدر بكامل قوتهم العسكرية، لأنهم كانوا يستهدفون القافلة، ولم يتوقعوا مواجهة جيش قريش.

خرج مع المسلمين ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً، منهم أكثر من مائتين وأربعين من الأنصار، ولم يكن معهم سوى فرسين، وسبعون بعيرًا يتناوبون على ركوبها. وعندما علم أبو سفيان بخطة المسلمين لاعتراض القافلة، غير مسارها باتجاه طريق الساحل، وأرسل يطلب دعم أهل مكة. فاستعدت قريش لحماية قافلتها، وجمعت كل طاقتها، إذ رأت في ذلك تهديدًا لمكانتها وإهانة لكرامتها وضربة لاقتصادها. بلغ عدد مقاتلي قريش نحو ألف رجل، ومعهم مائتا فرس

خلافات قريش بعد نجاة القافلة

ظهرت الانقسامات داخل جيش قريش بعد نجاة القافلة، حيث كان البعض يرغب في العودة دون مواجهة المسلمين لتجنب زيادة الثأر بين الطرفين، بينما أصر آخرون، مثل أبي جهل، على القتال. وفي النهاية، تغلب رأي أبي جهل، ولم يعد هدف قريش مجرد حماية القافلة، بل السعي لتأديب المسلمين، تأمين طرق التجارة، وإظهار قوتها وهيبتها أمام العرب. وعندما بلغ النبي ﷺ خبر نجاة القافلة وإصرار قريش على المواجهة، استشار أصحابه جميعاً، وركز بشكل خاص على رأي الأنصار. فتحدث أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب والمقداد بن عمرو من المهاجرين وأحسنوا، ثم تحدث سعد بن معاذ وفهم مقصد النبي ﷺ، مما أثلج صدره.

مشاورة النبي ﷺ لأصحابه قبل الغزوة

وصل المسلمون إلى بدر قبل المشركين، وأشار الحباب بن المنذر رضي الله عنه على النبي ﷺ أن يجعل ماء بدر خلفه، فوافقه النبي ﷺ وأخذ برأيه. ثم حدد النبي ﷺ أماكن مصرع قادة قريش، وقال: «هذا مَصْرَعُ فلانٍ غدًا إن شاء الله تعالى، وهذا مَصْرَعُ فلانٍ غدًا إن شاء الله تعالى». وفي صباح المعركة، صفّ النبي ﷺ الجيش، واتخذ مكانه في العريش الذي أقامه له الصحابة بإشارة من سعد بن معاذ، وبدأ ﷺ في الدعاء إلى الله حتى سقط رداؤه من شدة توسلّه، فأتى إليه أبو بكر قائلاً: "يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك؛ فإنه سينجز لك ما وعدك". فأنزل الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9]. ثم خرج النبي ﷺ وهو يقول: {سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُر} [القمر: 45].

ألقى النبي ﷺ الحصى في وجوه المشركين، كما قال الله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ} [الأنفال: 17]، فكان ابتداء الرمي من النبي ﷺ، لكن الله هو من حقق النتيجة. بدأت المعركة بمبارزة عتبة بن ربيعة وابنه الوليد وأخيه شيبة، حيث طلبوا من شباب الأنصار المبارزة لكنهم رفضوا، طالبين مواجهة بني عمومتهم. فأمر النبي ﷺ علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم بالقتال. قتل حمزة عتبة، وقتل علي شيبة، وجرح عبيدة الوليد، ثم تعاون علي وحمزة على قتل الوليد وحملوا عبيدة.

أثرت نتيجة المبارزة على معنويات قريش، التي بادرت بالهجوم، وكان النبي ﷺ قد أمر المسلمين بالرمي بالنبل حين يقترب العدو. وبهذه الاستراتيجية، اكتسب المسلمون خبرة عسكرية وشهرة واسعة داخل الجزيرة العربية وخارجها. أما قريش فقد تكبدت خسائر فادحة، خصوصاً بمقتل زعماء كبار مثل أبي جهل وأمية بن خلف. التحم الجيشان في معركة كبرى، وأمد الله المسلمين بالملائكة، كما قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 9-10].

نتائج الغزوة وأسر المشركين


في نهاية المعركة، قتل سبعون رجلاً من المشركين، وكانوا جميعًا في المواقع التي حددها النبي ﷺ قبل المعركة. من بين القتلى أبو جهل الذي قتله معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء، ثم أجهز عليه عبد الله بن مسعود، وكذلك أمية بن خلف الذي قتله بلال بن رباح مع مجموعة من الأنصار. أمر النبي ﷺ بإلقاء جثث قتلى المشركين في آبار بدر، وبلغ عدد الأسرى من قريش سبعين رجلاً، فيما فر بقية المشركين، تاركين وراءهم غنائم كثيرة. ودفن النبي ﷺ شهداء المسلمين، الذين بلغ عددهم أربعة عشر شهيدًا.